الباب التاسع عشر من كتاب النسائم المدنية في شرح القصيدة الخضرية،

دروس

الباب التاسع عشر من كتاب النسائم المدنية في شرح القصيدة الخضرية،
 
“وما الفقد إلا الوجد فافهم إشارتي
                                       وبالنفي إثبات الشهود بلا ند”.
من ترك وجد ، وعلى قدر ما تترك على قدر ما
تجد ، هذا ما يرشدنا إليه شيخنا في هذا البيت ،
وقد أشار إلى ذلك في الياقوتة إذ قال:
اترك تجد رباً كريماًمحسنا
وبقدر عزم الترك تلقى وجودنا.
وقد ضرب النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه
أروع الأمثلة في ذلك ، فقد تركوا ديارهم
وأموالهم وتجارتهم وأزواجهم وأولادهم وأهليهم
فعوضهم الله خيرا ، وها هو الحاكم في المستدرك
يروي بإسناده عن عكرمة قال:لما خرج صهيب
مهاجراً تبعه أهل مكة فنثل كنانته فأخرج منها
أربعين سهماً فقال:لا تصلون إليّ حتى أضع في
كل رجل منكم سهماً ثم أصير بعد إلى السيف
فتعلمون أني رجل وقد خلفت بمكة قينتين فهما
لكم،قال وحدثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس
نحوه ونزلت على النبي صلى الله عليه وسلم قوله
تعالى: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ
مَرْضَاتِ اللَّهِ ﴾ [البقرة: 207]، فلما رآه النبي صلى
الله عليه وسلم قال: يا أبا يحيى ربح البيع وتلا
عليه الآية .فانظر كيف ترك الصحابي كل ماله
ليجد النبي ، فلما وجد النبي وجد الله فلما وجد
الله وجد كل شئ ، وقد هنأه النبي قائلاً:
ربح البيع أبا يحيي .
وها هو الصديق يأتي بماله كله ويضعه في حجر
النبي فيقول له النبي: ماذا تركت لأولادك؟ قال:
تركت لهم الله ورسوله ،ولذلك أخبر النبي أنه ما
من أحد له يداً إلا كافأه بها رسول الله إلا أبا بكر
فقد ترك مكافأته لله .
وذلك انطلاقا من أن الصوفي لا يملك شيئاً
ولا يملكه شئ.
وانظر لسيدنا سليمان عليه السلام كيف قطع
سوق خيله وأعناقها حينما أحبها وشغلته عن ذكر
ربه ، ففعل ذلك لله فعوضه ربه خيراًمنها بأن
سخر له الريح رخاء تجري بأمره حيث أراد { إِذْ
عُرِضَ عَلَيْهِ بِٱلْعَشِيِّ ٱلصَّافِنَاتُ ٱلْجِيَادُ. فَقَالَ إِنِّي
أحببت حبَّ ٱلْخَيْرِ عَن ذِكْرِ رَبِّي حَتَّىتوارت
بِٱلْحِجَابِ . رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحاً بِٱلسُّوقِ
وَٱلأَعناق}فحينما قطعها لله
لئلا تشغله عن ذكر ربه ، عوضه ربه خيرا منها
فقال{ فَسَخَّرْنَا لَهُ ٱلرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَآء
حيث أَصَابَ} فمن ترك شيئاً عوَّضه الله خيراًمنه،
فمَن كان في الله تلفه، كان على الله خلفه .
Share This

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *