الباب الثاني عشر من كتاب النسائم المدنية في شرح القصيدة الخضرية

دروس

الباب الثاني عشر من كتاب النسائم المدنية في شرح القصيدة الخضرية   “وفي ذكر مو سي الرمز خضر إشارة ليفنى مرادك في مريدك بالرشد”. يعرف الشيخ  في هذه القصيدة وفي هذا البيت حال المريد أو السالك ورمز له هنا بموسى الرمز ، مع شيخه ورمز له بالخضر ، وفي ذلك قال بن عجيبة رحمه الله في تفسيره : ـــ أخذ الصوفية رضي الله عنهم آداب المريد مع الشيخ من قضية موسى مع الخضر عليهما السلام ، فطريقتهم مبنية على السكوت والتسليم. ـــ ثم بين الشيخ الحكمة من اتباع المريد للشيخ ، فهو عين ما قاله موسى للخضر { هل أتبعك على أن تعلمن مما علمت رشدا} ، أي استأذن موسى وهو النبي عليه السلام المرسل من قبل الحق ، الخضر وهو عبد من عباد الله لكي يصطحبه ليتعلم منه ملاطفة وأدباً وتعلماًمما علمه الله من العلم الذي يدل على الرشد وإصابة الصواب لعلي أرشد به في ديني. ـــ ويفهم من هذا أن المريد قد يكون أعلم من الشيخ في علم الشريعة أو في علوم أخرى ، لكنه يحتاج إلى الشيخ ليعلمه من علومه التي توصله لمولاه ، كحال موسى النبي عليه السلام مع الخضر ، إذ لا يتنافى كون موسى عليه السلام وهو نبي ذا شريعة أن يتعلم من غيره من أسرار العلوم الخفية إذ لا نهاية لعلم الله تعالى ، وفي صحيح البخاري ( قال له الخضر : يا موسى إني على علم من علم الله علمنيه لا تعلمه أنت ، وأنت على علم من علم الله علمكه الله لا أعلم) ـــ وأكد على ذلك شيخنا فقال في حكمه : طريقنا هذا خضري لا يقبل جدلا ، فعهده (ستجدني إن شاء الله صابراً) ، وشرطه (ولا أعصي لك أمرا) ،وعلمه ( أتبعك على أن تعلمني مما علمت رشدا) ، وحكمته ( وما فعلته عن أمري) كما قال السهروردي في كتابه آداب المريدين : أول ما يلزم المريد ـــ بعد الانتباه من غفلته ـــ أن يقصد إلى شيخ من أهل زمانه ، مؤتمن على دينه ، معروف بالنصح والأمانة ، عارف بالطريق ، فيسلم نفسه لخدمته ويعتقد ترك مخالفته ويكون الصدق حالته. كما بينه لنا شيخنا في بعض حكمه فقال ( خضر الحقيقة عبد من عبادنا ، ووارث مجمع البحرين شريعة وحقيقة هو عبدنا )ومن لم يكن له شيخ فهو المحروم كما قال الشيخ في الحكم : (المحروم من انقضت أيامه ولم يصبر حتى يكشف له خضره عن لثامه). ـــ لذلك قال الإمام الفخر الرازي في تفسير قوله تعالى { صِرَاطَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ } وهذا يدل على أن المريد لا سبيل له إلى الوصول إلى مقامات الهداية والمكاشفة إلا إذا اقتدى بشيخ يهديه إلى سواء السبيل ويجنبه عن مواقع الأغاليط والأضاليل، وذلك لأن النقص غالب على أكثر الخلق، وعقولهم غير وافية بإدراك الحق وتمييز الصواب عن الغلط، فلا بدّ من كامل يقتدي به الناقص حتى يتقوى عقل ذلك الناقص بنور عقل ذلك الكامل فحينئذٍ يصل إلى مدارج السعادات ومعارج الكمالات. وقال بن عجيبة في تفسيرها: الطريق المستقيم التي أمرنا الحق بطلبها هي: طريق الوصول إلى الحضرة، التي هي العلم بالله على نعت الشهود والعيان، وهو مقام التوحيد الخاص، الذي هو أعلى درجات أهل التوحيد، وليس فوقه إلا مقامُ توحيد الأنبياء والرسل، ولا بد فيه من تربية على يد شيخ كامل عارف بطريق السير، قد سلك المقامات ذوقا وكشفا، وحاز مقام الفناء والبقاء، وجمع بين الجذب والسلوك لأن الطريق عويص، ُ قليل خطاره كثيرٌ قُطَّاعُه، وشيطانهذاالطريق فَقِيهٌ بمقاماته ونوازِله، فلا بد فيه من دليل، وإلا ضلّ سالكها عن سواء السبيل، وإلى هذا المعنى أشار ابن البنا، حيث قال: وإنما القوم مسَافِرُونَ لِحَضْرَةِ الْحَقِّ وَظَاعِنُونَ فَافْتَقَرُوا فِيهِ إلَى دَلِيل ذِي بَصَرٍ بالسَّيْرِ وَالْمَقِيلِ قَدْ سَلَكَ الطَّرِيقَ ثُمَّ عَادَ ليُخْبِرَ الْقَوْمَ بِمَا اسْتَفَاد وقال في لطائف المنن: من لم يكن له أستاذ يصله بسلسلة الأتباع، ويكشف له عن قلبه القناع، فهو في هذا الشأن لَقيطٌ لا أب له، دَعِيٍّ لا نَسَبَ له و يقول أيضا ابن عطاء الله السكندري رضي الله عنه: وينبغي لمن عزم على الاسترشاد، وسلوك طريق الرشاد ، أن يبحث عن شيخ من أهل التحقيق، سالك للطريق ، تارك لهواه، راسخ القدم في خدمة مولاه فإذا وجده فليمتثل ما أمر، ولينتهِ عما نهى عنه وزجر ويقول الإمام الشعراني بعد أن بين أن من سلك من غير شيخ تاه: “من قال إن طريق القوم يوصَل إليه بالفهم من غير شيخ يسير بالطالب فيها، لما احتاج مثل حجة الإسلام الإمام الغزالي والشيخ عز الدين بن عبد السلام أخْذَ أدبهما عن الشيخ، مع أنهما كانا يقولان قبل دخولهما طريق القوم (كل من قال: إن ثم طريقةً للعلم غير ما بأيدينا فقد افترى على الله عز وجل) فلما دخلا طريق القوم كانا يقولان: قد ضيعنا عمرنا في البطالة والحجاب واثبتا طريق القوم ومدحاها ” وكان سلطان العلماء عز الدين بن عبد السلام يقول بعد ذلك: “ما عرفت الإسلام الكامل إلا بعد اجتماعي على الشيخ أبي الحسن الشاذلي رحمه الله” ثم يتابع الإمام الشعراني قائلا: “فإذا كان هذان الشيخان قد احتاجا إلى الشيخ مع سعة علمهما بالشريعة فغيرهما من أمثالنا من باب أولى. ـــ ثم يبين لنا شيخنا في هذا البيت أن الحكمة من قصة الخضر مع سيدنا موسى عليهما السلام هي أن لا تكون للعبد السالك ثمة إرادة , فإرادته هي عين إرادة الله , كما قال سيدي أبا اليزيد البسطامي : أريد أن لا أريد. لذلك قال الشيخ في ياقوتة الوصايا : أنت المراد كذا المريد لوجهنا فكما نريد تكن بحق عبدنا لذلك قال بعض العارفين : الرجل الصادق هو من لم تكن له إرادة ، تكون إرادته وتمنيه وشهوته في محبة ربه ، ولا تتقدم له إرادة في شئ أبداًحتى يعلم إرادة الله عز وجل ومحبته فيه وذلك لأن طريقه الله ومراده الله ، لأن الله هو الحق وكل شئ سواه باطل ، فالله قصده وغايته ومراده {فذلكم الله ربكم الحق فماذا بعد الحق إلا الضلال} ولذلك قال الشيخ: تبتل للودود وكن مريده ولا تطلب سواه تنل مزيده وكن فرداً له بين عبيده يكن فرداً وأنت به شهيده كما قال الشيخ في إحدى تسبيحاته : مرادي ولست أروم غير وداده ولوجهه وردي وكل شهادتي
Share This

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *