الباب السادس عشر من كتاب النسائم المدنية في شرح القصيدة الخضرية،

دروس

الباب السادس عشر من كتاب النسائم المدنية في شرح القصيدة الخضرية، “وعند فرار السالكين لكهفهم         تزاورهم شمس الحقيقة بالرفد”.   وسألت شيخي عن ما يقصده بالكهف فقال لي هو الشيخ أو هو الحضرة في مفهومها الواسع ، أي أن السالك عليه أن يفر من نفسه ومن كل الشواغل إلى شيخه أو إلى الحضرة ويلازم ذلك ، وثمرة ذلك تشرق عليه شمس المعرفة الربانية والمواهب القدسية. وهو كمثل فعل أهل الكهف الذين فروا من عدوهم وانقطعوا عن الشواغل واعتصموا بكهفهم ، فعصمهم الله من عدوهم وأفاض عليهم من لطائف رحمته وأنوار معرفته. وفي تفسير ابن عجيبة رحمه الله : للصوفية تشبه قوي بأهل الكهف في الانقطاع إلى الله والتجرد عن كل ما سواه والانحياش إلى الله والفرار عن كل ما يشغل عن الله ، والتماس الرحمة الخاصة من الله والتهيئة لكل رشد وصواب. ولذلك قال الله لنبيه عن أصحاب الكهف { لواطلعت عليهم لوليت منهم فراراً ولملئت منهم رعباً} ، أي أنهم لما انقطعوا عن الشواغل وفروا لمولاهم ، سطعت عليهم أنوار الحضرة ، وألبسوا ثياب الجلال ، وكذلك شأن كل سالك ومريد ، قد انقطع عن دنياه وهرع لمولاه واستقر في كهف شيخه وحضرته ، فتشرق عليه شموس المعرفة والأنوار ، فيهابه كل من يراه ، ويرتعب كل من يطلع على أحواله ، لما كساهم الله من حلل الجلال والجمال. وهذه سنة أهل الصلاح والوصال ، وإلى ذلك أشار الله فقال جل جلاله { فأووا إلى الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته ويهيئ لكم من أمركم مرفقا} وفي تفسيرها قال الإمام أحمد بن عمر: ففي قوله: { فَأْوُوا إِلَى ٱلْكَهْفِ } [الكهف: 16] إشارة إلى الالتجاء بالحق والتمسك بالمشايخ المكملين يعني بهذه الطريقة { يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحْمَتِهِ } [الكهف: 16] أي: يخصصكم برحمته الخاصة المضافة إلى نفسه وهو أن يجذبهم بجذبات العناية ويدخلهم في عالم الصفات ليتخلقوا بأخلاقه ويتصفوا بصفاته كقوله تعالى { يُدْخِل مَن يَشَآءُفِي رَحْمَتِه } )الشورى: 8 )وله تعالى رحمة عامة مشتركة بين المؤمن والكافر والجن والإنس والحيوان. {وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِّنْ أَمْرِكُمْ مِّرْفَقاً } [الكهف: 16] أي: ييسر لكم طريق الوصول والوصال.كما قال أيضا : يشير إلى أن التائب الصادق، والطالب المحق من اعتزل عن قومه وترك أهل صحبته، وقطع عن إخوانه شؤونه واعتقد إلا يعبد إلا الله، ولا يطلب إلا الله، ولا يحب إلا الله، يعرض عما سوى الله، مستعيناً بالله، متوكلاً على الله، مُنفراً إلى الله من غير الله، ثم يأوي إلى كهف الخلوة متمسكاً بذيل إرادة شيخ كامل مكمل واصل موصل؛ ليربيه ويزيد في هدايته ويربط على قلبه بقول الولاية وقوة الرعاية.
Share This

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *