الباب العاشر من كتاب النسائم المدنية في شرح القصيدة الخضرية

دروس

  الباب العاشر من كتاب النسائم المدنية في شرح القصيدة الخضرية       وخرق سفين الناسكين أمانها وفي الستر تاج للكرامة والرفد”.   يوضح هنا الشيخ في هذا البيت إلى أهمية مجاهدة النفس وكبح جماحها ، فيخرق عنها عوائدها التي تحول دون وصول النور والفتح إلى قلبه من الشهوات والحجب التي تحجب المريد عن مولاه ، ولذلك نجد في الحكم العطائية لابن عطاء الله السكندري : كيف تخرق لك العوائد وأنت لم تخرق من نفسك العوائد . فأمان المريد ونجاته في خرق عوائد نفسه ، أما ترى الخضر عليه السلام لما خرق السفينة المملوكة لمساكين يعملون في البحر ليعيبها ، فنجت السفينة بذلك من غصبها وسرقتها . ولذلك يقول ابن عجيبه رحمه الله في تفسيره :ـــ يؤخذ من خرق السفينة أن المريد لا تفيض عليه العلوم اللدنية والأسرار الربانية حتى يخرق عوائد نفسه ، ويعيب سفينة وجوده ، بتخريب ظاهره حتى لا يقبله أحد ولا يقبل عليه أحد ، فبذلك يخلوا قلبه ويستقيم على ذكر ربه ، وأما ما دام ظاهره متزيناً بلباس العوائد فلا يطمع في ورود المواهب والفوائد . ـــ وذللك لأن المريد المحب للشهوات الذي هو أسير نفسه وهواه فلا يجئ منه شئ ، لأن المريد الشهواني أبداً يركن إلى الفاني ، والراكن إلى الفاني أبداً لا يصل إلى الباقي ، ولذلك قيل أن الله أوحى إلى داوود عليه السلام وقال له : حذر وأنذر أصحابك أكل الشهوات ، فإن القلوب المتعلقة بشهوات الدنيا عني محجوبة. كما يوضح لنا الشيخ في هذا البيت أنه يجب على المريد أن يستر أحواله ولا يظهرها ، لأنه في الستر كما قال الشيخ تاج للكرامة والرفد ، لأن الستر في طريق القوم واجب ، ولذلك يقول الله حكاية عن أصحاب الكهف { إنهم إن يظهروا عليكم يرجموكم أو يعيدوكم في ملتهم ولن تفلحوا إذاً أبداً} ، وفيها يقول ابن عجيبة في تفسيره : إن أطلع الله مريديه على سره المكنون من أسرار ذاته بالغوا في إخفائه حتى لا يشعروا به أحداً من خلقه غير من هو أهل له ، لأنهم إن أظهروه لغيرهم رجموهم أو أعادوهم إلى ملتهم ، بأن يقهروهم إلى الرجوع عن طريق القوم ، ولن يفلحوا إذاً أبدا . وأكد شيخنا على ذلك في بعض حكمه فقال : يا ولدي إن الخلق إن اطلعوا على خصوصيتك فتنوك ، وإن حنت لهم بشريتك صدوك { إنهم إن يظهروا عليكم يرجموكم أو يعيدوكم في ملتهم ولت تفلحوا إذاً أبداً} . لذا يقال : من شأن الأبرار حفظ الأسرار عن الأغيار.  
Share This

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *