الباب العشرون من كتاب النسائم المدنية في شرح القصيدة الخضرية

دروس

الباب العشرون من كتاب النسائم المدنية في شرح القصيدة الخضرية   “ومن رام أجر البر منا ولم يرى                                 فعال مريد ضيع الورد بالعد”.   وهذا البيت يعالج فيه الشيخ احدى الآفات التي تصيب السالكين ، فترى البعض يمن على مولاه بما يتلوه من أذكار وأوراد وأعمال صالحات ، وعميت بصيرته عن مشاهدة منة الله عليه أن وفقه الله لتلك الأعمال ، فعلى التحقيق الله هو الفاعل ، فجل شأنه قد فعل ونسب إليك . وعن هذا قال القشيري رحمه الله في تفسير قوله تعالى { بل الله يمنُّ عليكم أن هداكم للإيمان} : من لاحظ شيئا من أعماله وأحواله فإنْ رآها مِنْ نفسه كان شركا، وإنْ رآها لنفسه كان مكراً فكيف يمن العبد بما هو شِرْكٌ أو بما هو مكر؟! والذي يجب عليه قبول المِنَّة.. كيف يرى لنفسه على غيره مِنَّة؟! هذا لعمري فضيحةّ! بل المِنَّةُ لله؛ فهو وليُّ النعمة. ولا تكون المنةُ منةً إلا إذا كان العبدُ صادقاً في حاله، فأمَّا إذا كان معلولاً في صفة من صفاته فهي محنةٌ لصاحبها لا مِنَّة، والمِنَّةُ تُكَدِّرُ الصنيعَ إذا كانت من المخلوقين، ولكن بالمِنَّةِ تطيب النعمة إذا كانت من قبل الله. بل إن الشيخ ابن عجيبة رحمه الله يرى في أن كل مَن غلب عليه الجهل حتى مَنَّ على شيخِه بصُحبته له، أو بما أعطاه، يقال في حقه:{يمنون عليك أن أسلموا }. ولذلك قال شيخنا في بعض حكمه : كفى بالذاكر غفلة أن لا يشهد من أجرى الذكر على لسانه { وما يذكرون إلا أن يشاء الله } . كما قال: لو زال عنك وهم خيال أنك فاعل، لسجد فؤادك شكراً وتعظيماً لمن فعل{والله خلقكم وما تعملون} ـــ بل قال مشايخنا بأن المريد الصادق إن وجد الدنيا بحذافيرها أنفقها ولا يبالي ، وإن لم يجد ما ينفق لا يبالي ، لأن مراده هو مراد مولاه ، وكل ما ينفقه في الطريق إنما هو لله ، لا يقصد بذلك شهرة ولا ثناء من الخلق ولا غير ذلك ولا من شيخه أيضا، إن كان كامل الصدق.
Share This

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *