الشيخ جابر بغدادي “التصوف هو الإسلام فى أجلّ وأرقى معانيه”

أخبار
يقول الشيخ جابر بغدادي ان  التصوف هو الإسلام فى أجلّ وأرقى معانيه، وهو الذى دعا إلى أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك، وهو الأخذ بالحقائق واليأس مما فى أيدى الخلائق، وهو أن تزهد ما فى يد الناس وتأخذ بالحقيقة، والحقيقة هى أن الله سبحانه وتعالى هو فقط الذى أوجد الوجود وهو الرزاق والقادر. تعلمت من التصوف أنى عندما أطلب شيئًا لا أطلب من غيره، وأن يكون ظاهرى مرآة باطنى، فإذا لم يستوِ ظاهرى وباطنى يصبح دينى رياءً وهشًا، وتعلمت أن الإنسان هو خليفة الله فى الأرض، وعار على الخليفة الذى استعمره الله فى الدنيا أن يعبد الدنيا، التى هو خليفة عليها ونائب للحضرة الإلهية فيها، وتعلمت من التصوف أن الإنسان ما وجد فى الدنيا لتطرف أو إرهاب. وتعلمت أن الولاية الحقيقية فى أن تكون قادرًا على إصلاح المجتمع، وتسوق المجتمعات إلى الله، ولا تقف بين المجتمعات وبين الله، ولا أدعى الولاية فتصطدم الناس بى وتنحجب عن الله، الذى يقول: «إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِى شَيْءٍ». التصوف هو الركن القوي فى الإسلام – التصوف هو الإسلام، فهو روح الإسلام وروحانيته، والإمام الغزالى- رحمه الله- قال إن التصوف هو «فرض عين على كل مسلم»، لأن كل فنون الدين وعلومه فرض كفاية، فالفقه إذا تعلمه العلماء، فالعوام عليهم التقوى والعلماء عليهم العلم. والتصوف هو العلم المفروض على الجميع، سواء المسلم العالم أو المسلم العادى، لأن الله سبحانه وتعالى أمرنا بأن نتزكى، ومدح ذلك بقوله: «قد أفلح من تزكى»، ولا يخلو أحد من عيب فى زماننا إلا الأنبياء، وبعد النبى- صلى الله عليه وسلم- لا يوجد أنبياء، لذا ليس هناك معصوم، وكل واحد لديه خلل نفسى يحتاج إلى أن يتطهر منه، وصولًا إلى السمو الروحانى فى معرفة الله، لذا فإن التصوف هو معراج الوجود للتصالح مع الودود. «التصوف»و «الإحسان».
وقال الشيخ  يمكن بناء مادة «الدين» على روح الصوفية، ولا أقصد بذلك مدارس الصوفية الفلسفية، أو مدارس الفلسفة العميقة، لكن أقصد أن أطبق تعاليم الشريعة بحب.. مثلًا، أنا لم أتعلم تعظيم الأستاذ الذى علمنى إلا من الحضرة الصوفية، حينما رأيت فيها التلميذ جالسًا أمام الشيخ بكل أدب وتواضع.. من أين أتى بهذا الاحترام؟ هل أحد أجبره على ذلك؟.. لا بالطبع، لكن السر أنه يحب شيخه ومعلمه الصوفى.
 
الإمام فى المسجد يمكث وقتًا طويلًا يخطب عن الصبر وقيام الليل طوال النهار، ويأتى الشيخ يقول لمريده: «يا ولد لا تنسى قيام الليل»، ويظل الواحد يسمع ١٠٠٠ شريط و١٠٠٠ درس عن أهمية صلاة الفجر وقراءة القرآن، ويأتى الشيخ فيقول فى كلمة صغيرة: «يا فلان ابقى اقرأ القرآن»، فتجد لديك عزمًا عجيبًا فى الثانية.
 
لماذا حدث ذلك؟.. حدث لأن مَن وَجَّهك قدوة تحبها، لذا النبى غرس الإيمان فى الصحابة وقال لهم: «لا يؤمن أحدكم- أى لا يكمل إيمان أحدكم- حتى أكون أنا القدوة أحب إليه من نفسه التى بين جنبيه».
 
لو أن السادة التربويين وأهل المناهج التربوية غمسوا هذه المعانى فى كتبهم، لصرنا نرى مجتمع الصغير الذى يوقر الكبير، والكبير الذى يرحم الصغير، لعشنا فى مجتمع به تكافل اجتماعى، وسنُفعّل بحب أهل البيت مبدأ التصوف: «يطعمون الطعام على حبه مسكينًا ويتيمًا وأسيرًا»، سينتشر الإسلام بين الناس، إسلام الرحمة والوسطية والزهد والحب، الإسلام الذى يقول: «إماطة الأذى عن الطريق صدقة».
 
هذا هو الإسلام الذى يعلمنى أن أرفع فرع شجرة من الأرض، مخافة أن يأتى من هو بعدى يتعثر فيه، هذا الإسلام الذى يعلمنى أن لا أعتدى وأجور على البيئة، هذا هو الإسلام الذى أقصده وتكتمل فيه روح التصوف، وليس شرطًا أن نسميه «التصوف»، يمكن أن نسميه «الإحسان».
Share This

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *