أحدث الصـــوتيات

الباب السابع من كتاب النسائم المدنية في شرح القصيدة الخضرية

مقالات

 

الباب السابع  من كتاب النسائم المدنية في شرح القصيدة الخضرية

ومن ضيع الأوقات باللغو لاهيا كمن هدر الدر النظيم من العقد يرشدنا الشيخ إلى أهمية الوقت ، وإلى أن الصوفي الحق والمؤمن الصادق هو الذي يحرص على وقته فلا يضيعه ولا يمضيه فيما لا نفع فيه ، وشبه شيخنا من ضيع وقته كمن أتلف عقدا منظوماً فانفلتت منه الدرر ،وها هو الإمام الشافعي رضي الله عنه يقول: استفدت من الصوفية كلمتين قولهم؛الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك. ـــ وقد وصى رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا ذر فقال : ــ ( يا أبا ذر ، إياك والتسويف بعملك فإنك بيومك ولست بما بعده ، فإن يكن غد لك فكن في الغد كما كنت في اليوم ، وإن لم يكن غد لك فلا تندم على ما فرطت في اليوم ،يا أبا ذر كم مستقبل يوماً لا يستكمله ، ومنتظر غداً لا يبلغه ، يا أبا ذر لو نظرت إلى الأجل ومسيره لأبغضت الأمل وغروره ) . ولحرص السلف على أوقاتهم واستثمارها فيما يفيد ، كان أبو مسلم الخولاني رحمه الله يقول : لو رأيت الجنة عياناً؛ما كان عندي مستزاد . ولو رأيت النار عياناً؛ماكان عندي مستزاد. ولذلك فلا تكن كأحدهم كان إذا سقط منه درهماً لظل يومه يقول : إنا لله ذهب درهمي ، وهو يذهب عمره ولا يقول ذهب عمري. والوقت عند العابد هو وقت العبادة والأوراد وعند المريد هو وقت الإقبال على الله والجمعية عليه والعكوف عليه بالقلب كله ، والوقت هو أعز شيء يغار عليه أن ينقضي بدون ذلك ، فإذا فاته وقت فلا سبيل له إلى تداركه كما في المسند مرفوعا (من أفطر يوما من رمضان متعمدا من غير عذر لم يقضه عنه صيام الدهر وإن صامه ). وعن ابن مسعود قال: ) ما ندمتُ على شيءٍ ندمي على يومٍ غرَبَت فيه شمسه نقص من أجلي ولم يزدَدْ فيه عملي ) وقال الإمام الجنيد : قال لرجل وهو يَعِظهُ: (جِماعُ الخيرِ في ثلاثةِ أشياء: إن لم تُمضي نهارك بما هو لكَ فلا تُمضِهِ بما هُو عليك, وإن لم تصحبِ الأخيارَ فلا تصحبِ الأشرار, وإن لم تُنفقَ مالك في ما للهِ فيه رضا فلا تنفقهُ في ما لله فيه سخط). كما قال شيخنا في الياقوتة: فالوقت كنز زاخر من فيضنا فاغنم جواهره بذكـرٍ يرضنا فالعمر إما ساعة بوصالنا أو ينقضي حتماً وتحرم وصلنا وعن الحسن البصريِّ رحمه الله- قال: أدركتُ أقواماً كانوا على أوقاتِهـم أشدَّ منكم حرصاً عـلى دراهمـِكم ودنانيرِكم. ومن كلام السّلف المأثور، وأقوالهم السّائرة: مِن علامةِ المَقْتِ: إضاعةُ الوقت. كما نبهنا على ذلك سيدنا رسول صلى الله عليه وسلم فقال:(لا تزول قدما عبد يوم القيامة ، حتَّى يسأل عن أربع ، عن عمره فيما أفناه ، وعن جسده فيما أبلاه ، وعن علمه ما عمل فيه ، وعن ماله من أين كسبه وفيما أنفقه) رواه أبو برزة الأسلمي وأخرجه الترمذي . وقال معاذ بن جبل رضي الله عنه:كل مجلس لا يذكر فيه العبد ربه تعالى ، كان عليه حسرة وترة يوم القيامة. لذلك كان السلف حريصين على أوقاتهم وينصحون ذويهم بذلك ، وكان بعضهم يوصي أصحابه قائلا: إذا خرجتم من عندي فتفرقوا ، لعل أحدكم يقرأ القرآن ، ومتى اجتمعتم تحدثتم. ولذلك كان داود الطائي يشرب الفتيت ولا يأكل الخبز ، فقيل له في ذلك فقال: بين مضغ الخبز وشرب الفتيت قراءة خمسين آية. ــ وقال الوزير بن هبيرة: والوقت أنفس ما عُـنيت بـحـفـظـه وأراه أسهل ما عليك يضيع كما قال بن الجوزي: يا من أنفاسه محفوظة ، وأعماله ملحوظة، أيُنْفَقُ العمر النفيس في نيل الهوى الخسيس. فانظر أخي كيف كان حرص أسلافنا على وقتهم ، حتى أن محمد بن ثابت الكتاني رحمه الله قال : ذهبت ألقن أبي وهو في الموت لا إله إلا الله ، فقال لي: يا بني دعني فإني في وردي السادس أو السابع.
Share This

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *