الباب الثامن من كتاب النسائم المدنية في شرح القصيدة الخضرية
“ومالم ترد زهو الكرامة يافتى
ستنصر بالتأييد حتما ولا بد”.
يوضح هنا الشيخ
في هذا البيت كسابقه يحذرنا شيخنا فيه من آفة
خطيرة تصيب السالك في الطريق وهي انشغاله
بالكرامة وزهوها ، فالمريد الصادق إنما يسعى
للإستقامة ويفر من ظهور الكرامة ، حتى لا يفتتن
بها ، وحتى لا يشغله زهوها عن ربه ، وقد أكد على
هذا المعنى شيخنا من قبل في بعض حكمه فقال :
من تلفت لزهو أحواله فهو مخدوع ، ومن شغلته
الكرامة عن الاستقامة فهو مقطوع .
ـــ بل إن من آداب الأولياء إذا ظهرت عليهم بعض
الكرامات فإنهم يكتمونها وينظرون إليها بعين
الاستدراج ، وفي ذلك قال سيدي أبي علي
الروذباري: كما فرض الله تعالى على الأنبياء إظهار
الآيات والمعجزات ، كذلك فرض على الأولياء
كتمانها لئلا يفتن بها الخلق ،بل إن بعضهم قال :
ألطف ما يخدع به الأولياء الكرامات وإظهار
الآيات عليهم .
لذلك وصف شيخنا في كتابه كنوز الإشارات حال
العارف مع الكرامة فقال: العارف حاله عند الكرامة
الحياء ، والعراف حاله مع الكرامة الكبر والعلاء ،
العارف فانٍ عن شهود أفعاله ، والعراف مفتون
بأفعاله وأقواله .
ـــ والعبد المؤمن المستقيم لا يسعى إلى الكرامة
ولا يطلبها ، ولذلك قال أبو علي الجرجاني : كن
طالب الإستقامة لا طالب الكرامة ، فإن نفسك
متحركة في طلب الكرامة والله يطلب منك
الإستقامة ، فالكرامة الكبرى هي الإستقامة في
خدمة الخالق بإظهار الخوارق .
ولذلك لما قيل للشيخ أبي سعيد : إن فلانا يمشي
على الماء قال : إن السمك والضفدع كذلك ، فقيل
له :إن فلاناً يطير في الهواء فقال : إن الطيور
كذلك ، فقيل له : فلاناً يصل إلى الشرق والغرب
في آن واحد، قال : إن إبليس كذلك ، فقيل له : فما
الكمال عندك ؟ قال : أن تكون في الظاهر مع
الخلق وفي الباطن مع الحق .
ولذلك نبهنا شيخنا إلى عدم التلفت للكرامات التي
يظهرها الله على يديك لئلا تفتتن بها ولئلا يفتن
بها غيرك ولئلا تشغلك عن الاستقامة في طريق
الحق ، وقد تظن أنها من فيض عملك وطاعتك ،
ولذلك قال شيخنا في بعض حكمه : كفى بالمرء
جهلاً أن تجرى الكرامة على يديه ، فتحجبه
عن من بسط المواهب عليه .
كما قال شيخنا في الياقوتة:
من تاه بالكرامات ضل طريقنا
ومن اعتاه الزهو ليس مريدنا
اترك تعليقاً