الباب االسادس من كتاب النسائم المدنية في شرح القصيدة الخضرية

مقالات

الباب االسادس من كتاب النسائم المدنية في شرح القصيدة الخضرية *وما لم يكن ما تدعيه حقيقة يطابق ما تطويه مت على ضد” وهي دعوة الشيخ للمريدين بأن يطهروا ظواهرهم وبواطنهم ، وأن تكون ظواهرهم مجلى لما تطويه بواطنهم ، فمن ادعى الإحسان والولاية والصفاء وتظاهر بها ، وباطنه مملوء بالأغيار ، كان عند الله مذموماً ويخشى عليه سوء العاقبة ، لذلك قال شيخنا في بعض حكمه : من حرر ظاهره وباطنه مما سواه ، أقبل إلى ضعفه بعين إحسانه ورضاه ، وأنبته نبات العناية واصطفاه ، وتكفله بقدراته الذاتية . ولعظم ذلك كان العارفون يبتهلون لمولاهم أن يصلح ظواهرهم وبواطنهم ، فقد كان سيدي مصطفى البكري يقول في بعض دعائه في ورد السحر:(وأصلح مني يا مولاي ظاهري ولبي ،إلهي زين ظاهري بامتثال ما أمرتني به ونهيتني عنه ، وزين سري بالأسرار وعن الأغيار فصنه ). ولذلك متى كان ظاهرك طاهراً نقياً كباطنك فاعلم أن ذلك من فضل الله عليك وأنك في خير عظيم وأنك سائر في معارج الوصول ، لذا قال شيخنا في بعض حكمه: متى زين ظاهرك برداء وصفه ، وأشرق في باطنك من أنوار قدسه ،فقد دعاك لمعارج أنسه ، واستودعك سره الأعظم . ــ أما إن كان ظاهرك وما تدعيه ليس له صدىفي باطنك ، فهو النفاق بعينه الذين وصفهم الله بقوله { يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلاً} ، وفي تفسيرها قال بن عجيبة رحمه الله:الإشارة: كل من أحب أن يَرى الناسمحاسن أعماله، وأحواله، ففيه شعبة من النفاق وشعبة من الرياء، وعلامة المرائي: تزيين ظاهرة وتخريب باطنه، يتزين للناس بحسن أعماله وأحواله، يراقب الناس ولا يراقب الله، وكان بعضُ الحكماء يقول: يقول الله ـ تعالى ـ: ” يا مُرائي: أمرُ من ترائى بيد من تعصيه ” فمثل هذا أعماله كلها قليلة، ولو كثرت في الحس كالجبال الرواسي، وأعمال المخلصين كلها كثيرة ولو قلَّت في الحس، وأعمال المرائين كلها قليلة ولو كثرت في الحس. وقد عاتب الله أقواماً قالوا لو نعلم أحب الأعمال إلى الله لسارعنا إليها ولزمناها ، فلما نزل فرض الجهاد تثاقلوا فيه وتقاعسوا عن إتيانه ، فقال جل جلاله { يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون . كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون } ، وقيل نزلت في قوم قالوا إذا لقينا العدوا ثبتنا وقاتلناهم قتالاً شديداً؛فلما كان يوم غزوة أحد ، فر بعضهم ولم يثبتوا مع رسول الله حتى شج رأسه الشريف وكسرت رباعيته صلى الله عليه وسلم ، فعاتبهم الله بهذه الآية وبين لهم أن من أعظم المقت والبغض أن تقولوا ما لا تفعلون ، وذلك لأن من لوازم الإيمان الحقيقي الصدق وثبات العزيمة ، لذا بين لنا شيخنا في هذا البيت أن يستوي ظاهرك وباطنك ، وأن يكون باطنك مطابقاً لما تظهره من الإيمان . وهو توجيه أيضاً لكل مريد ألا يدعي حالاً أو مقاماً ليس فيه ، كما هو عتاب لكل مريد عاهد شيخه ومن قبله ربه ونبيه أن يجاهد نفسه وهواه وجنود إبليس أجمعين ويقاتلهم ويدفعهم عنه ، ثم هو لا يفعل بل يترك نفسه فريسة للشياطين وأعوانهم ولا يجاهدهم ، فيقول له مولاه لم تقول ما لا تفعل.
Share This

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *