الباب الرابع من كتاب النسائم المدنية في شرح القصيدة الخضرية

مقالات

الباب الرابع من كتاب النسائم المدنية في شرح القصيدة الخضرية   “وفي كلب أهل الكهف سر بشارة بأن الإساءة لا تضر مع الود”. يوضح هنا الشيخ كل مريد سالك إلى ضرورة الطاعة مع الود ، فطاعة من غير ود صدود ، وإذا ما صدر منك ذنب فلا تيأسن من عفو ربك ورحمته والجأ لربك في ود واسأله أن يتجلى عليك برحمته لا بعدله ، ولذلك قيل في الحكم العطائية( لا صغيرة إذا قابلك عدله ، ولا كبيرة إذا واجهك فضله ) ولذلك قال سيدي أبوالحسن الشاذلي في بعض دعائه(واجعل سيئاتنا سيئات من أحببت ، ولا تجعل حسناتنا حسنات من أبغضت ، فالإحسان لا ينفع مع البغض منك ، والإساءة لا تضر مع الحب منك) وفي البيت يشير شيخنا إلى كلب أهل الكهف الذي تداركته رحمة ربك ووده ففاز وصار يعرف بفتية أهل الكهف ، كذلك العاصي تتداركه رحمة ربه ووده فيغمره بواسع رحمته وفضله ، وهو بشرى لكل مريد قد تزل قدمه لا تجزعن ولا تيأسن من رحمة مولاك فربك يختص برحمته من بشاء وهو ذو الفضل العظيم . ولك في قصة سيدنا آدم عليه السلام أبلغ دليل على ذلك ، إذ قال ربنا في سورة طه ليعلمنا ذلك {وعصى آدم ربه فغوى .ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى } وفي تفسيرها قال بن عجيبة رحمه الله: قال الواسطي: العصيان لا يُؤثر في الاجتبائية، وقوله: { وعصى } أي: أظهر خلافًا، ثم أدركته الاجتبائية فأزالت عنه مذمة العصيان، ألا ترى كيف أظهر عذره بقوله: { فنسي ولم نجد له عزم}. “وقال الشيخ أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه: نعمت المعصية أورثت الخلافة. واعلم أن آدم عليه السلام قد أهبط إلى الأرض قبل أن يخلق، قال تعالى:{ إِنِّي جَاعِلٌ فِي ٱلأَ رْضِ خَلِيفَةً } [البَقَرَة: 30] . فقداستخلفه قبل أن يخلقه، لكن حكمته اقتضت وجود الأسباب، فكان أكله سببا في نزوله للخلافة والرسالة وعمارة الأرض، فهو نزول حسا ورفعة معنى، وكذلك زلة العارف تنزله لشرف العبودية، فيرتفع قدره عند الله . فانظر أخي المسلم كيف عصى أدم ربه ، لكن جنايته هذه لم تحط من العناية ، إذ أدركته عناية ربه وفضله فتاب عليه وهداه ، ورفعه من جنة الزخارف إلى الخلافة وعمارة الأرض وإلى جنة الشهود ،فحقاً الإساءة لا تضر مع الود. وانظر كيف الحال مع إبليس اللعين فقد كان طاووساً بين الملائكة ولا يوجد موضع في السماء إلا سجد لله فيه سجدة ، ومع ذلك حينما كانت له مشيئة مع مشيئة الله وحينما تكبر على الله تجلى الله عليه بعدله فكان جزاؤه اللعن إلى يوم الدين ، فقال له ربه { فاخرج منها فإنك رجيم. وإن عليك لعنتي إلى يوم الدين} وقال { لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين).
Share This

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *